ماذا يقول الكتاب المقدس عن الغفران؟ ماذا يعني أن نغفر؟
الجواب:
لا يقدم الكتاب المقدس تعريفًا "لغويًا" للغفران، ولكنه يوضح لنا العديد من الأمثلة عليه. وأعظم الأمثلة على ذلك هو غفران الله. على الرغم من أن المقطع التالي لا يستخدم كلمة "اغفر"، إلا أنه يصف مفهوم غفران الله بشكل كامل:
من المهم أن نلاحظ أن عالم الخطية هو مجال عمل الغفران. في معظم مقاطع الكتاب المقدس التي تحتوي على كلمة اغفر أو غفر، يتم ذكر الخطية. فيما يلي بعض الأمثلة التقليدية:
لكي يحصل الشخص على المغفرة الحقيقية، عليه أن يعترف بالخطية. وهذا ما يسمى الاعتراف. إذا حاول الإنسان أن يعتبر الخطية مجرد خطأ، أو فشل بشري، أو عدم حكمة عارضة؛ أو إذا أنكر الخطية تمامًا، فهذا عائق أمام المغفرة.
يغفر الله الخطية، لكن هذا لا يعني أنه ببساطة "ينظر في الاتجاه الآخر" أو "يخفيها عن الأنظار". عقوبة الخطية هي الموت (رومية 23:6)، ويجب دفع هذه العقوبة. في العهد القديم، سمح الله بذبيحة تحل محل الخاطئ. يقول سفر اللاويين 5: 15-16 "حِينَ يَرْتَكِبُ أحَدٌ خَطَأً بِغَيرِ قَصْدٍ فِي أُمُورِ اللهِ المُقَدَّسَةِ، يُحضِرُ للهِ، كَعُقُوبَةٍ، كَبْشًا لَا عَيْبَ فِيهِ مِنَ الغَنَمِ، ثَمَنُهُ يُعَادِلُ القِيمَةَ المُنَاسِبَةَ مِنَ الفِضَّةِ بِحَسَبِ المِقيَاسِ الرَّسمِيِّ ِلمِثْقَالِ، فَيَكُونُ ذَبِيحَةَ ذَنْبٍ. يَدْفَعُ المُخطِئُ مُقَابِلَ الخَطَإ الَّذِي ارْتَكَبَهُ. وَيُضِيفُ خُمْسَ ثَمَنِ الذَّبِيحَةِ وَيُعْطِيهُ لِلكَاهِنِ. وَيُكَفِّرُ الكَاهِنُ عَنْهُ بِكَبْشِ ذَبِيحَةِ الذَّنْبِ، فَيُغفَرَ لَهُ".
يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "وَتَشْتَرِطُ الشَّرِيعَةُ أنْ يَتَطَهَّرَ كُلُّ شَيءٍ تَقْرِيبًا بِالدَّمِ، وَبِغَيرِ سَفكِ دَمٍ لَا يُوجَدُ غُفرَانٌ" (عبرانيين 9: 22). ومع ذلك، فإن دم الحيوانات المذبوحة لم يكن في الواقع يدفع ثمن الخطية. بل كان ببساطة يقوم بتأجيل الدينونة حتى يمكن تقديم ذبيحة أفضل لدفع عقوبة الخطية كاملة وجعل الغفران ممكنا. وتشرح رسالة العبرانيين 10 هذا الأمر بعمق، ولكن المقتطفات التالية من هذا الأصحاح توضح مسار الحجة:
قدم يسوع نفسه ذبيحة عن الخطية لكي يغفر الله لنا. وقد ألمح يسوع إلى تلك الذبيحة في العشاء الأخير عندما قال لتلاميذه: "هَذَا هُوَ دَمِي، دَمُ العَهْدِ الَّذِي يُسفَكُ مِنْ أجْلِ كَثِيرِينَ، لِمَغفِرَةِ خَطَايَاهُمْ" (متى 26: 28). بعد القيامة، حمل الرسل رسالة المغفرة من خلال يسوع المسيح إلى جميع أنحاء العالم، مبشرين لكل من اليهود والأمم:
لذلك يغفر الله للناس على أساس ذبيحة المسيح. الشرط الوحيد هو أن يعترف الخطاة بخطيتهم، ويرجعوا عنها، ويثقوا في يسوع المسيح كمخلص. بمجرد أن يختبر الشخص مغفرة الله، يصبح قادرًا (ومسؤولًا) أن يغفر للآخرين. "فَلْيَحْتَمِلْ أحَدُكُمُ الآخَرَ، وَليُسَامِحْ أحَدُكُمُ الآخَرَ حِينَ يَكُونُ لِأحَدٍ شَكوَى عَلَى آخَرَ. فَكَمَا سَامَحَكُمُ الرَّبُّ بِسَخَاءٍ، لِيُسَامِحْ أحَدُكُمُ الآخَر"َ (كولوسي 3: 13). في الواقع، الذين يرفضون المغفرة يكشفون حقيقة أنهم لا يفهمون مقدار خطاياهم التي يحتاجون أن تغفر لهم. يجب أن يكون المؤمنون على استعداد لمسامحة الأشخاص الذين أخطأوا في حقهم. فكل شخص بالتأكيد أخطأ إلى الله أكثر بكثير مما أخطأ إليه الآخرين. ويوضح يسوع هذه النقطة في متى ١٨: ٢١-٣٥:
كثيرا ما نسمع عبارة سامح وانسى، وقد يكون هذا مضللاً. وردًا على هذه العبارة، نسمع أحيانًا: "سأسامح، ولكنني لن أنسى أبداً". لا تعني المسامحة والنسيان أن الشخص الذي تعرض للإساءة يصاب بنوع من فقدان الذاكرة المقدس. لن ينسى الشخص الذي تعرّض للإساءة انها حدثت. سوف يتذكر الزوج/الزوجة الذي تعرض للخيانة تلك التجربة دائمًا. من المحتمل أن يفكر الوالد الذي تعرض طفله للخطف في تلك الجريمة في كل يوم يقضيه على الأرض. ومع ذلك، فمن الممكن لكل من هؤلاء الأشخاص الذين أسيء إليهم أن يغفروا وأن ينسوا أيضًا، مع أخذ التعريف الكتابي للنسيان في الاعتبار.
في الكتاب المقدس، لا علاقة للتذكر والنسيان بحفظ المعلومات في الدماغ. في تكوين 8: 1، بعد الطوفان، "تَذَكَّرَ اللهُ نُوحًا". هل هذا يعني أن الله قد نسي أمر نوح لبعض الوقت، ووضعه في غير مكانه وسط مياه الطوفان، ثم في أحد الأيام تذكره وظن أنه من الأفضل أن يطمئن عليه؟ كلا، يتعلق المفهوم الكتابي للتذكر بـ "اختيار التصرف"، والنسيان يعني "رفض التصرف" على أساس شيء ما. عندما يقول الكتاب المقدس أن الله "تذكر" نوح، فهذا يعني أن الله اختار العمل من أجل صالح نوح وأرسل ريحًا لمساعدة المياه على الانحسار بسرعة أكبر. يعدنا الله أنه بموجب العهد الجديد "سَأغفِرُ إثمَهُمْ، وَلَنْ أعُودَ أذكُرُ خَطِيَّتَهُمْ " (إرميا 31: 34؛ راجع عبرانيين 8: 12؛ 10: 17). الله لا ينسى أن الناس أخطأوا، ولكن عندما يغفر، يختار ألا يتصرف على أساس تلك الخطايا. وهذا يشبه ما تعبّر عنه رسالة كورنثوس الأولى ١٣: ٥ حيث المحبة "لا تَحْفَظُ سِجِلًّا لِلإسَاءَاتِ".
وفي عبارة "سامح وانسى"، المصطلحين مترادفان حقًا. وكلاهما يعني أن الشخص الذي سامح لن يستمر في محاسبة المخطئ على تلك الخطية أو أخذها بعين الاعتبار في التعاملات المستقبلية. قد يتذكر الشخص ما حدث، لكنه يمكنه أن يختار عدم التصرف بناءً عليه – وهذا هو النسيان الكتابي.
يتساءل الكثيرون عن المغفرة للأشخاص الذين أخطأوا ولم يعترفوا أو يتوبوا أو يطلبوا المغفرة. في بعض الأحيان، في المحكمة، يتمكن الضحايا من التحدث إلى مرتكب الجريمة قبل صدور الحكم. غالبًا ما يخبر الضحايا كيف أثرت الجريمة عليهم ويطلبون من القاضي فرض العقوبة الأشد. ولكن في بعض الأحيان، تقول الضحية للجاني: "أنا أسامحك". فهل يصح هذا العفو إذا لم يعترف الجاني المحكوم عليه ويطلب العفو؟
الجواب هو نعم ولا." فمن ناحية، غالبًا ما تسامح الضحية المجرم حتى لا تأكله كراهيته للمجرم. والعفو الذي تمنحه الضحية في المحكمة لا يعفي المجرم من أي عقوبات قانونية، لذلك يظل من حق الدولة ملاحقته قضائيا. ومن ناحية أخرى، يغفر الله للناس عندما يعترفون بخطيتهم ويطلبون المغفرة؛ الغفران يأتي فقط من خلال الإيمان بالمسيح، والذي يتضمن تحولًا روحيًا. في مثال قاعة المحكمة، حتى لو "سامحت" الضحية المجرم، فلا يمكن أبدًا إنشاء أو استعادة العلاقة ما لم يعترف المجرم بخطيته ويطلب المغفرة فعليًا.
هدف الغفران الكتابي ليس فقط إفادة الضحية بل رد الخاطئ. ولا يمكن أن يحدث هذا دون الاعتراف بالخطية من جانب الخاطئ. لذلك، في بعض الحالات يكون من أسيء إليه على حق في عدم "ترك الأمر" حتى يطلب الخاطئ المغفرة. يجب أن يكون الآباء الصالحون على استعداد للتسامح بمجرد أن يعترف طفلهم الضال ويطلب المغفرة، لكن من حقهم حجب المغفرة حتى يتخذ طفلهم الخطوات اللازمة للسماح بالمصالحة. سيكون من الحماقة أن يسامح الأب ابنه المراهق ببساطة على عصيان قواعده (والقانون) في حالة القيادة تحت تأثير الشرب إذا لم يعترف الابن بأن ما فعله كان خطأ. ومع ذلك، يجب أن يكون الأب على استعداد للمسامحة عندما تكون الظروف مناسبة. في بعض المواقف، يؤدي منح العفو غير المطلوب إلى التقليل من قيمة المفهوم ويتجاهل خطورة الجريمة.
يجب على الشخص أن يكون دائمًا على استعداد للغفران في كل مرة تطلب منه المغفرة، كما علم يسوع. وغني عن القول أنه في بعض تلك المناسبات قد يكون الطلب غير صادق، أو، حتى لو كان صادقًا، فإن الشخص سوف يرتكب نفس الجرم ضدنا مرة أخرى في وقت لاحق. ففي النهاية، أليس هذا ما نفعله مع الله؟ أليست هذه هي الطريقة التي يغفر بها لنا؟
في بعض الحالات، يكون من أسيء إليه على حق في "ترك الأمر" ببساطة، حتى لو لم تطلب منه المغفرة، وفي حالات أخرى يحتاج من أسيء إليه إلى الانتظار إلى ان يعترف الطرف المذنب ويطلب المغفرة حتى يمكن استعادة العلاقة. هذا هو المبدأ الكامن وراء تأديب الكنيسة، كما هو موضح في متى 18: 15-17. إذا كانت مواجهة الخاطئ تؤدي إلى الاعتراف، يتم تقديم المصالحة والغفران. وإذا لم تنجح المواجهة، يكون الحرمان من الكنيسة هو النتيجة النهائية. وكقاعدة عامة فيما يتعلق بالإهانات والإساءات التافهة في الأسرة وفي الكنيسة، يجب على الشخص أن يتركها - "قَدِّمْ لَهُ الخَدَّ الآخَرَ أيْضًا"، كما قال يسوع (متى 5: 39). ومع ذلك، إذا كانت الاساءة من النوع الذي يجعل إدارة الخد غير ممكنة، فإن الطرف المتضرر ملزم بالذهاب للتحدث مع المسيء حول هذا الموضوع. لا يحق لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف أن يضمر الاستياء أو يغذي المرارة أو يثرثر حول الإساءة.
فيما يلي بعض الأسئلة التي يجب التفكير فيها فيما يتعلق بالغفران:
هل اعترفت بخطيتي وحصلت على غفران الله؟
هل هناك من أخطأت في حقه وأحتاج إلى طلب المغفرة منه؟
هل هناك من أخطأ في حقي وطلب مني المغفرة ولكني رفضت ان أغفر له؟
هل هناك من أحمل ضغينة ضده بسبب أخطاء الماضي؟
إذا كانت هناك مشكلة لم يتم حلها، فهل سأتركها ببساطة أم سأتحدث مع المسيء بشأنها؟ (الاستمرار في حمل الضغينة ليس خيارًا كتابيًا!)
هل سأكون على استعداد للغفران إذا طلب مني المسيء أن أغفر له؟