يوضح التاريخ العبري أن دور الأب كان يتضمن إرشاد الأولاد إلى طرق الله وتعليمهم كلمته لمنفعتهم ونموهم الروحي. ونرى أن الأب الذي يطيع هذه الوصايا كان يقوم بذلك الدور. وهذا يأتي بنا لما هو مكتوب في سفر الأمثال 6:22 "رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ فَمَتَى شَاخَ أَيْضاً لاَ يَحِيدُ عَنْهُ". و"التربية" هنا تعني التوجيه المبكر الذي يعطيه الآباء والأمهات للأبناء، أي: التعليم المبكر. وهذه التربية هدفها تعليم الأبناء أسلوب الحياة الذي يجب أن يعيشوه. وكانت بداية التعليم المبكر للأطفال بهذه الطريقة أمر بالغ الأهمية.
نجد في رسالة أفسس6: 4 ملخص لوصايا الله للأباء، بصيغ إيجابية وسلبية. " وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ". يشير الجزء السلبي من هذه الآية أن الأب لا يجب أن يزرع المشاعر السلبية في أبنائه من خلال القسوة أو الظلم أو التحيز أو الممارسة غير المنطقية لسلطته. فالسلوك القاسي غير المنطقي نحو الطفل لا بد أن يغذي الشر في قلبه. تعني كلمة "تغيظوا" "المضايقة، إثارة الغضب، الإستفزاز". وهذا يكون بروح خاطيء وأسلوب خاطيء – شدة، عدم منطقية، حزم مبالغ فيه، قسوة، مطالب قاسية، قيود لا داعي لها، إصرار أناني على السلطة الديكتاتورية. هذا الغيظ تكون له ردود أفعال سيئة، ويقتل محبة الأطفال، ويقلل من رغبتهم في القداسة، ويجعلهم يشعرون أنهم لا يستطيعون إرضاء والديهم. لذلك، يسعى الوالد الحكيم إلى جعل الطاعة مرغوبة وممكنة بالمحبة واللطف.
يعبَّر عن الجانب الإيجابي من أفسس 6: 4 بتوجيه شامل – التعليم والتنشئة وتطوير السلوك في كل نواحي الحياة من خلال تأديب الرب وإنذاره. وهذه هي كل عملية التعليم والتأديب. تحمل كلمة "إنذار" فكرة تذكير الطفل بالأخطاء (بأسلوب بناء) والواجبات (المسئوليات).
الأب المسيحي هو في الحقيقة أداة في يد الله. ويجب أن تكون كل عملية التدريب والتأديب بحسب وصايا الله وبتوجيهه، حتى يصل سلطانه بصورة مباشرة ومستمرة إلى ذهن وقلب وضمير الأبناء. فلا يجب أن يعتبر الأب البشري نفسه السلطة المطلقة لتحديد الحق والواجب. فتتحقق أهداف التربية بأفضل صورة فقط عندما نجعل الله هو المعلم والسيد الذي يسود على كل شيء.
قال مارتن لوثر "إحتفظ دائماً بتفاحة قريبة من العصا كي تعطيها للطفل لمكافأته عندما يسلك جيداً". فيجب أن يكون تأديب الطفل بحرص مع تدريب مستمر وكثير من الصلاة. العقاب، التأديب، النصح من كلمة الله، التوبيخ والتشجيع، كل هذه هي جوهر "الإنذار". فيأتي التوجيه من الرب، ويتم تعلمه في مدرسة الخبرة المسيحية، ويقدمه الوالدين – خاصة الأب، ولكن أيضاً، الأم تحت توجيهه. والتأديب المسيحي ضروري حتى ينمو الأبناء في مخافة الرب، وإحترام سلطة الوالدين، ومعرفة المباديء المسيحية، وإكتساب عادات على ضبط النفس.
"كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" (تيموثاوس الثانية 3: 16). إن مسئولية الأب الأولى هي أن يعرف أولاده كلمة الله. وتتنوع الأساليب والطرق التي يمكن أن يستخدمها الآباء في تعليم أبنائهم كلمة الله. وعندما يكون الأب قدوة أمينة لأولاده، يجعلهم ما يتعلموه منه عن الله ثابتين في علاقتهم معه طوال حياتهم على الأرض، مهما فعلوا أو أينما ذهبوا.