من الواضح أن السبب الأكثر أهمية وراء اختيار الله ارسال الطوفان هو كون فساد قلب الإنسان قد سيطر بالكامل على البشرية في أيام نوح. لقد عرف الله بالتأكيد أن إرسال الطوفان لن (ولم يحل) مشكلة الخطية في قلب الإنسان؛ قال الله بعد الطوفان: "تَصَوُّرَ قَلْبِ ٱلْإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ." (تكوين 8: 21). وفي نفس البيان، يقول الله أيضًا: "وَلَا أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ".
وهكذا، أرسل الله الطوفان بسبب الشر الذي كان على الأرض في زمن نوح، لكنه وعد بعد ذلك بعدم إرسال مثل هذا الطوفان مرة أخرى - على الرغم من حقيقة أن الشر كان لا يزال موجودًا. فإذا كان الله يعلم أن الشر لن يُستأصل بالطوفان، فلماذا أرسل الطوفان في المقام الأول؟ سوف نتطرق هنا إلى ثلاث إجابات:
إحدى الاجابات عن سبب إرسال الله الطوفان بينما كان يعلم أن الشر سيستمر، هي تفسير كون خطية البشر في زمن نوح على أنها شيء فريد وأشد خطورة بكثير مما نراه في العالم اليوم. في الواقع، يقول سفر التكوين 6: 5 "وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ شَرَّ ٱلْإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي ٱلْأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ". وهذه إدانة قوية لحالة القلب البشري: فالكتاب المقدس لا يقول فقط أن أفكار قلب الإنسان كانت شريرة تمامًا، بل إن قلبه كان دائمًا هكذا. ومهما كنا نتذمر من حالة عالمنا اليوم، فربما لا ينبغي لنا أن نقارن وضعنا الحالي بوضع نوح، وذلك ببساطة لأن الشر في أيامه يبدو أنه قد وصل إلى مستويات لا يمكن تصورها. كان هناك شيء شرير غير عادي في قلب الإنسان في أيام نوح، وكان الرب يعلم أن أفضل مسار للعمل هو ببساطة البدء من جديد. من المؤكد أن هذا النهج نظري إلى حد ما، لكنه على الأقل يتوافق مع ما نقرأه في الكتاب المقدس عن شخصية الله.
هناك احتمال آخر حول سبب إرسال الله الطوفان وهو يعلم أن الشر سيستمر، وهو الإشارة إلى "أبناء الله" و"الطغاة" في تكوين 6: 2 و4. على الرغم من أن علماء الكتاب المقدس منقسمون حول من هم أبناء الله والطغاة بالضبط، إلا أن الكتاب المقدس واضح أن في كون نسلهم كان يتميز بشكل متطرف من أشكال الشر. علاوة على ذلك، في تكوين 6: 3 يبدو أن استجابة الرب لتصرفات أبناء الله هي أول إشارة فعلية إلى الطوفان: بقوله "وَتَكُونُ أَيَّامُهُ (الانسان) مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً"، وبهذا بدأ الله فعليًا العد التنازلي لبداية الدينونة. وهذا يشير إلى أن الطوفان كان استجابة الله المباشرة تجاه تصرفات أبناء الله والطغاة.
هناك إجابة أخرى محتملة عن سبب إرسال الله الطوفان وهو يعلم أن الشر سيستمر، وهي إجابة أكثر عمومية إلى حد ما. تخبرنا رسالة كورنثوس الأولى 10: 11 أن قصص العهد القديم هي أكثر من مجرد سجلات تاريخية: "فَهَذِهِ ٱلْأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالًا، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ ٱنْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ ٱلدُّهُورِ." وفي قصة الطوفان عبرة يجدر بنا أن ننتبه إليها. كما يقارن يسوع بين قصة الطوفان والوقت الحالي في انجيل متى 24: 37-39 "وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ. لِأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلَّتِي قَبْلَ ٱلطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ ٱلْفُلْكَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ ٱلطُّوفَانُ وَأَخَذَ ٱلْجَمِيعَ، كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَان". ولذلك فإن الطوفان التاريخي في أيام نوح يمثل رمزًا لدينونة الله القادمة. وكما فشل معاصرو نوح في فهم هلاكهم الوشيك، فإن العديد من معاصرينا سوف ينجرفون إلى دينونة الله دون أن يدركوا أبدًا حاجتهم إلى مخلص. الطوفان بمثابة تحذير للذين يستعينون برحمة الله في الاستمرار في عصيانهم؛ الطوفان يدعو الجميع إلى التوبة.
أرسل الله الطوفان ليدين العالم في ذلك الوقت من الخطية الشنيعة والمستمرة والشائعة. نعم، لقد عرف أن الطوفان لن يستأصل مشكلة الخطية وأن البشرية ستبقى خاطئة بعد الطوفان. لكن الله لم ينته من التعامل مع الخطية. لقد أرسل ابنه إلى العالم لينزع سلاح قوى الشر "إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ (أي في الصليب)" (كولوسي2: 15). بسبب المسيح، لنا الوعد بالسماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤيا 21: 1)، "وَلَا تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ" (رؤيا 22: 3).