إن هذا المقطع يذكر كل عناصر العبادة الحقيقية. أولاً، هناك دافع العبادة: "رأفة الله" أي مراحم الله. إن رأفة الله تشمل كل ما قد منحنا إياه دون إستحقاق منا، أي: المحبة الأبدية، والنعمة الأبدية، والروح القدس، والسلام الدائم، والفرح الأبدي، والإيمان للخلاص، والتعزية، والقوة، والحكمة، والرجاء، وطول الأناة، واللطف، والكرامة، والمجد، والبر، والأمان، والحياة الأبدية، والغفران، والمصالحة، والتبرير، والتقديس، والحرية، والشفاعة وغيرها الكثير. إن معرفة وفهم هذه العطايا العجيبة يجعلنا نفيض بكلمات الشكر والتسبيح – أي العبادة!
نجد في هذا المقطع أيضاً وصفاً لأسلوب العبادة: "قدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة". إن تقديم أجسادنا لله يعني أن نعطيه ذواتنا بالكامل. وتعني الإشارة إلى الجسد هنا، أن نقدم لله كل وظائفنا البشرية، أو كل بشريتنا – قلوبنا، وأذهاننا، وأيادينا، وأفكارنا، وإتجاهات قلوبنا. بكلمات أخرى، علينا أن نتخلى عن التحكم في هذه الأمور ونسلمها لله، كما تقدم الذبيحة الملموسة على المذبح. ولكن كيف نفعل هذا؟ مرة أخرى نقول إن المقطع الذي أشرنا إليه واضح: "بتجديد أذهانكم". نحن نجدد أذهاننا يومياً بتطهيرها من "حكمة" العالم، واستبدالها بالحكمة الحقيقية التي تأتي من الله. فنحن نعبده بأذهاننا المجددة المطهرة وليس بمشاعرنا. إن المشاعر أمر رائع، ولكن ما لم تتشكل بذهن متشبع بالحق فيمكن أن تكون بمثابة قوى هدامة خارجة عن السيطرة. فحيث يذهب العقل تتبعه الإرادة، وكذلك المشاعر. تقول رسالة كورنثوس الثانية 2: 16 أنه يجب أن يكون لنا "فكر المسيح" وليس مشاعر المسيح.
توجد طريقة واحدة لتجديد أذهاننا، وهي عن طريق كلمة الله. إن الحق، هو معرفة كلمة الله، أي معرفة مراحم الله، وهكذا نعود من حيث بدأنا. إن معرفة الحق، والإيمان بالحق، والتمسك بالحق هو ما ينتج عنه تلقائياً العبادة الروحية الحقيقية. إن المشاعر تتبع الإقتناع، المشاعر التي هي إستجابة للحق وليس لمؤثرات خارجية، ومنها الموسيقى. فالموسيقى في حد ذاتها ليست عنصراً من عناصر العبادة. فالموسيقى لا تنتج العبادة، رغم أنها بالتأكيد تحرك المشاعر. فالموسيقى ليست منبع أو أصل العبادة ولكنها يمكن أن تكون تعبيراً عنها. فلا تنتظر ان تحركك الموسيقى للعبادة؛ ولكن ببساطة إعتبر أن الموسيقى تعبير عما يجيش في قلب مسبي برأفة الله، وطاعة وصاياه.
إن العبادة الحقيقية مركزها الله. يميل الناس إلى الإنشغال بمكان العبادة، أو الترانيم المستخدمة في العبادة، وكيف تبدو عبادتهم في عيون الآخرين. إن التركيز على هذه الأمور ليس هو المهم. يقول لنا الرب يسوع ان العابدين الحقيقيين يعبدون الله بالروح والحق (يوحنا 4: 24). هذا يعني أن نعبد من القلب بالطريقة التي وضعها الله للعبادة. يمكن أن تشمل العبادة الصلاة، وقراءة كلمة الله بقلب مفتوح، والترنيم، والإشتراك في مائدة الرب، وخدمة الآخرين. إنها ليست محدودة بفعل معين، ولكنها تكون صحيحة عندما يكون قلب الشخص وإتجاهه في المكان الصحيح.
من المهم أن نعرف أن العبادة من حق الله فقط. هو وحده يستحق العبادة وليس أي ممن يخدمونه (رؤيا 19: 10). فلا يجب أن نعبد القديسين أو الأنبياء أو التماثيل أو الملائكة أو أية آلهة كاذبة أو حتى العذراء مريم أم يسوع. وكذلك يجب ألا نعبد الله إنتظاراً لشيء بالمقابل، مثل شفاء معجزي مثلاً. فالعبادة تقدم لله لأنه مستحق، ومن أجل مرضاته فقط. يمكن أن تكون العبادة تسبيح جماعي وعلني للرب (مزمور 22: 22؛ 35: 18) حيث نعلن من خلال الصلاة والتسبيح محبتنا وشكرنا لله وما صنعه من أجلنا. إن العبادة الحقيقية تنبع من الداخل ثم يعبر عنها خارجياً. إن "العبادة" من منبع الواجب لا ترضي الله وتعتبر باطلة كلية. فهو يستطيع أن يكشف نفاقنا، ويكرهه. وهو يبين هذا في عاموس 5: 21-24 حين يتحدث عن الدينونة الآتية. مثال آخر هو قصة قايين وهابيل إبني آدم وحواء. فقد جاء كليهما بتقدمات للرب، ولكن الله سر فقط بتقدمة هابيل. جاء قايين بتقدمته أداء للواجب، أما هابيل فقد أحضر أفضل الحملان من قطيعه. جاء بها تعبيراً عن إيمانه وعبادته لله.
إن العبادة الحقيقية غير محدودة بما نفعله في الكنيسة أو التسبيح الجماعي (رغم أن كليهما أمر صالح ويوصينا بهما الكتاب المقدس). إن العبادة الحقيقية هي إعتراف بالله وقوته ومجده من خلال كل ما نفعله. إن أسمى أشكال التسبيح والعبادة هي طاعة الله وكلمته. ولكي نفعل هذا يجب أن نعرف الله؛ لا يمكن أن نكون جاهلين به (أعمال الرسل 17: 23). العبادة هي تمجيد لله – إظهار ولاؤنا وعبادتنا وتقديرنا لأبينا السماوي.