www.GotQuestions.org/Arabic



السؤال: ما هو الحق؟

الجواب:
منذ ألفي عام تقريباً، تمت محاكمة الحق وإدانته من قبل أناس مكرسين للأكاذيب. في الواقع، لقد واجه الحق ستة محاكمات في أقل من يوم واحد، ثلاث منها محاكمات دينية، وثلاث محاكمات قانونية. في النهاية، إستطاع عدد قليل فقط ممن إشتركوا في هذه الأحداث أن يجيبوا عن السؤال: "ما هو الحق؟"

بعد إلقاء القبض عليه، إقتيد الحق أولاً إلى رجل يدعى حنانيا، الذي كان رئيس كهنة يهودي سابق وكان فاسداً. قام حنانيا بكسر العديد من القوانين اليهودية أثناء المحاكمة، بما فيها إقامة المحاكمة في بيته، محاولة جعل المتهم يوجه لنفسه الإتهامات، وضرب المتهم، الذي لم يكن قد تم إدانته في ذلك الوقت. بعد المثول امام حنانيا، إقتيد الحق للوقوف أمام رئيس الكهنة الحالي، قيافا، الذي تصادف أنه كان زوج إبنة حنانيا. وأمام قيافا والسنهدريم اليهودي تقدم العديد من شهود الزور ليشهدوا ضد الحق، ولكن لم يمكنهم إثبات أي شيء ولم يوجد أي دليل على فعل خطأ. لقد كسر قيافا سبع قوانين على الأقل في محاولة إدانة الحق: (1) عقدت المحاكمة سراً؛ (2) عقدت ليلاً؛ (3) شابتها الرشوة؛ (4) لم يكن مع المتهم من يدافع عنه؛ (5) لم يتم إستيفاء شرط وجود شاهدين أو ثلاثة؛ (6) إستخدموا شهادة المتهم لإدانته؛ (7) نفذوا عقوبة الإعدام بحق المتهم في نفس اليوم. كل هذه الأفعال يمنعها الناموس اليهودي. وبالرغم من ذلك، أعلن قيافا إدانة الحق، لأن الحق قال أنه هو الله في الجسد، وهو ما سماه قيافا تجديفاً.

عندما جاء الصباح، أقيمت المحاكمة الثالثة للحق، وكانت نتيجتها أن أعلن السنهدريم اليهودي أن الحق يجب أن يموت. ولكن، المجلس اليهودي لم يكن يملك الحق القانوني لتنفيذ عقوبة الإعدام، فأجبروا أن يأنوا بالحق إلى الحاكم الروماني في ذلك الوقت، وكان رجل يدعى بيلاطس البنطي. كان طيباريوس قد عين بيلاطس كخامس حاكم لليهودية وقد شغل ذلك المنصب من عام 26-36 م. كان الحاكم الروماني يملك سلطة الحياة والموت وبإمكانه إبطال عقوبة الإعدام التي يصدرها السنهدريم. عندما وقف الحق أمام بيلاطس، قيل عنه المزيد من الأكاذيب. قال أعداؤه: "إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ" (لوقا 23: 2). وكان هذا كذباً، لأن الحق كان قد قال للجميع أن يدفعوا الضريبة الواجبة (متى 22: 21) ولم يتحدث أبداً عن نفسه كمنافس لقيصر.

بعد هذا جرت محادثة شيقة جداً بين الحق وبيلاطس. "ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟ أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي. قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ الْحَقُّ؟" (يوحنا 18: 33-38).

وعبر التاريخ تردد صدى سؤال بيلاطس "ما هو الحق؟". هل كان ذلك رغبة دفينة لمعرفة ما لا يستطيع آخر أن يخبره، أم إهانة ساخرة، أو ربما إجابة لامبالية أو غاضبة لكلمات يسوع؟

وفي عالم ما بعد الحداثة الذي ينكر إمكانية معرفة الحق، يظل السؤال الأكثر أهمية يطلب إجابة. ما هو الحق؟
تعريف مقترح للحق
في تعريفنا للحق من المفيد أولاً معرفة ما ليس هو الحق:

• الحق ليس ببساطة كل ما ينفع. هذه فلسفة براجماتية – الغاية مقابل الوسيلة. في الحقيقة يمكن أن تبدو الأكاذيب "نافعة" ولكنها تظل أكاذيب وليست الحق.

• الحق ليس ببساطة ما هو مترابط أو مفهوم. يمكن أن يجتمع مجموعة من الناس ويشكلون مؤامرة بناء على مجموعة من الأكاذيب حيث يتفق جميعهم على رواية نفس القصة الكاذبة، ولكن هذا لا يجعل ما يقدمونه حقاً.

• الحق ليس ما يمنح الناس الشعور بالرضى. للأسف يمكن أن تكون الأخبار السيئة صادقة.

• الحق ليس ما تجمع الأغلبية على أنه حق. فيمكن أن يصل 51% من مجموعة ما إلى نتيجة خاطئة.

• الحق ليس ما هو شامل. فيمكن أن يخلص عرض مفصل إلى نتيجة مزيفة أيضاً.

• الحق لا يتم تعريفه بالنوايا. يمكن أن تكون النوايا الحسنة خاطئة.

• الحق ليس هو كيفية المعرفة؛ بل الحق هو ما نعرفه.

• الحق ليس ببساطة ما يصدق. فالكذبة التي يتم تصديقها تظل كذبة.

• الحق ليس ما يثبت علانية. يمكن أن يعرف الحق في السر (مثلاً: مكان كنز مدفون).

إن كلمة "الحق" باليونانية هي alētheia التي تعني حرفياً "كشف شيء مخفي" أو "عدم إخفاء شيء". وهي تحمل فكرة أن الحق موجود دائماً، ومفتوح دائماً، ومتاح لنظر الجميع، دون إخفاء أي شيء. كذلك في اللغة العبرية تحمل كلمة emeth معنى "التماسك" و "الثبات" و "الدوام". هذا التعريف يشير إلى شيء أو كيان أبدي يمكن الإعتماد عليه.

من وجهة نظر فلسفية توجد ثلاث تعريفات بسيطة للحق:

1. الحق هو ما يتسق مع الحقيقة.

2. الحق هو ما يتسق مع موضوعه.

3. الحق هو سرد الواقع كما هو.

أولاً، الحق يتسق مع الحقيقة أو الواقع. إنه حقيقي. الحق أيضاً يتسق مع الطبيعة. بكلمات أخرى، إنه يتفق مع موضوعه، ويعرف بمرجعيته. مثلاً، قد يقول مدرس واقف في مواجهة تلاميذه: "المخرج الوحيد في هذه الغرفة هو في الجهة اليمنى". بالنسبة للفصل الذي يواجه المدرس قد يكون باب الخروج على يسارهم، ولكن كون الباب على اليمين بالنسبة للمدرس أمر حقيقي تماماً.

الحق أيضاً يتسق مع موضوعه. قد يكون حقاً تماماً أن شخص ما يحتاج مقدار معين من دواء معين، ولكن شخص آخر قد يحتاج مقدار أكبر أو أقل من نفس الدواء ليحصل على نفس النتيجة. هذه ليست حقيقة نسبية، ولكن مجرد مثال لكيفية توافق الحق مع موضوعه. يكون من الخطأ (وربما الخطر) أن يطلب مريض من طبيبه أن يعطيه جرعة غير مناسبة من دواء معين، أو أن يقول أن أي دواء قد يناسب مرضاً معيناً.

بإختصار، الحق ببساطة هو سرد الأمر كما هو؛ إنه حقيقة الأشياء، وأية وجهة نظر أخرى هي خاطئة. من المباديء الأساسية في الفلسفة هو التمييز بين الحقيقة والخطأ، أو بكلمات توما الإكويني: "إن التمييز هو مهمة الفيلسوف."

تحديات الحق
إن كلمات الإكويني ليست رائجة اليوم. إذ يبدو أن التمييز أصبح من أمور الماضي في عصر نسبية ما بعد الحداثة. فمن المقبول اليوم القول "إن هذا حق" طالما لم نتبع ذلك بالقول "وبالتالي فإن ذلك خطأ". يمكن ملاحظة هذا بصورة خاصة في ما يخص شئون الدين والإيمان حيث يفترض ان يكون كل نظام عقائدي متساوياً مع غيره بشأن الحق.

يوجد عدد من الفلسفات والرؤى العالمية التي تقدم تحدياً لمفهوم الحق، ولكن عندما يتم فحص كل منها يتضح أنها بطبيعتها تنقض ذاتها.

إن فلسفة النسبية تقول بأن كل الحق نسبي ولا يوجد ما يسمى حق مطلق. ولكن علينا أن نسأل: هل الإدعاء بأن "كل الحق نسبي" هو حقيقة نسبية أم مطلقة؟ إذا كان هذا الإدعاء حق نسبي، فإذا هو لا معنى له؛ فكيف نعرف متى وأين نطبقه؟ وإذا كان حقاً مطلقاً، إذاً الحق المطلق موجود. وفوق ذلك، إن من يؤمن بالنسبية يناقض موقفه ذاته عندما يقرر أن موقف من يؤمن بالمطلق خاطيء – لماذا لا يكون من يقولون بوجود الحق المطلق على صواب أيضاً؟ أي أنه في الواقع، عندما يقول من يؤمن بالنسبية "لا يوجد حق" فإنه يطالبك بألا تصدقه وأفضل شيء هنا هو أن تصغي لما ينصحك به.

إن من يتبعون فلسفة التشكك، هم ببساطة يشكون في كل الحق. ولكن هل يتشكك المتشكك في الشك؛ هل يشك في ما يدعي أنه حق؟ في هذه الحالة، لماذا نعير التشكك أي إهتمام؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فيمكننا أن نتأكد من أمر واحد على الأقل (بكلمات أخرى، يوجد حق مطلق) – إن التشكك، في هذه الحالة يصبح هو الحق المطلق. يقول اللاأدري أنك لا يمكن أن تعرف الحق. لكن الفكر نفسه يدحض هذا لأنه يدعي معرفة على الأقل حقيقة واحدة: أنك لا يمكن أن تعرف الحق.

إن أتباع ما بعد الحداثة ببساطة لا يؤكدون أية حقيقة معينة. إن أب ما بعد الحداثة – فريدريك نيتشه – وصف الحق بهذا القول: "ما هو الحق إذاً؟ جيش متحرك من الإستعارات، والكنايات، والتشبيهات ... الحقائق هي أوهام ... عملات بهتت الصورة عليها وصارت مجرد قطع معدنية، لم تعد لها قيمة كعملات". ومن السخرية، أنه رغم أن أتباع مابعد الحداثة يمسكون في إيديهم عملات صارت الآن "مجرد قطع من المعدن" فإنهم يؤكدون على الأقل حقيقة واحدة مطلقة: حقيقة أنه لا يجب تأكيد أية حقيقة. ومثل الرؤى العالمية الأخرى، فإن رؤية ما بعد الحداثة تناقض نفسها ولا يمكن أن تقف في مساندة ما تدعيه.

إن التعددية من الرؤى العالمية الرائجة، وهي تقول بأن جميع الحقائق متساوية في مصداقيتها. بالطبع هذا أمر مستحيل. فهل يمكن لإدعائين – أحدهما يقول بأن سيدة ما تحمل طفلاً، والآخر يقول أنها ليست حاملاً – أن يكون كليهما صادقاً في نفس الوقت؟ إن مبدأ التعددية يتفكك أمام قانون عدم التناقض الذي يقول أن شيئاً ما يمكن أن يكون "أ" و "لا أ" في نفس الوقت وبنفس السياق. ووفقاً لتعليق أحد الفلاسفة، إن أي شخص يؤمن أن قانون عدم التناقض غير صحيح (وبالتالي، تكون التعددية صحيحة) يجب أن يضرب ويحرق حتى يعترف بأن الضرب والحرق ليس نفس الشيء مثل عدم الضرب والحرق. أيضاً، لاحظ أن التعددية تقول أنها حقيقة وأي شيء يناقضها هو مزيف، وهو إدعاء ينفي الأساس الذي يقوم عليه.

إن الروح خلف التعددية هي توجه مرحب بالتسامح. ولكن التعددية تخلط بين فكرة تساوي الجميع في القيمة وبين تساوي مصداقية كل ما يزعم أنه حق. ببساطة، قد يكون جميع الناس متساويين، ولكن ليست كل إدعاءات الحق كذلك. تفشل التعددية في إدراك الفرق بين الرأي والحق، وهو تمييز يقول عنه موريمر آدلر: "التعددية مرغوبة ومحتملة فقط في المجالات المتعلقة بالذوق وليس الأمور المتعلقة بالحق".

طبيعة الحق المستفزة
عندما يتم إهانة مفهوم الحق، عادة يكون ذلك لسبب أو أكثر من الأسباب الآتية:

من الإتهامات الشائعة ضد أي شخص يدعي إمتلاك الحق المطلق في أمور الدين والعقيدة هو أن مثل هذا الموقف يعتبر "ضيق الأفق". ولكن، يفشل الناقد في إدراك أن الحق بطبيعته محدود. فهل يعتبر معلم الرياضيات ضيق الأفق بتمسكه بالإعتقاد أن 2 + 2 تساوي 4 فقط؟

من الإعتراضات الأخرى على الحق هو أنه من الغرور الإدعاء بأن شخص ما على صواب والآخر مخطيء. ولكن، بالرجوع إلى المثال السابق في الرياضيات، فهل من الغرور أن يصر معلم الرياضيات على إجابة وحيدة صحيحة لمسألة حسابية؟ وهل من الغرور أن يصر صانع المفاتيح على أن مفتاحاً واحداً فقط يفتح باباً مغلقاً؟

إتهام ثالث ضد من يتمسكون بالحق المطلق في أمور العقيدة والدين هو أن مثل هذا الموقف يستبعد الآخرين بدلاً من أن يحتويهم. ولكن مثل هذا الإعتراض لا يدرك أن الحق بطبيعته يستبعد ضده. فكل الإجابات، ما عدا الرقم 4 يتم إستبعادها من حقيقة مجموع 2 + 2.

إعتراض آخر ضد الحق هو أن الإدعاء بإمتلاك الحق هو أمر مستفز ومسبب للإنقسام. يقول الناقد، بدلاً من هذا، أن كل ما يهم هو الإخلاص. المشكلة في هذا الرأي هي أن الحق محصن ضد الإخلاص والعقيدة والرغبة. لا يهم مدى صدق إيمان شخص بأن مفتاحاً خاطئاً سيفتح باباً؛ فإن المفتاح لن يدخل في الباب ولن يتم فتح القفل. الحق أيضاً لا يتأثر بدرجة الإخلاص. إن من يمسك بزجاجة سم معتقداً بإخلاص بأنها عصير ليمون سيعاني مع ذلك من تأثيرات السم المؤسفة. أخيراً، الحق لا يتأثر بالرغبة. قد يرغب شخص ما بشدة ألا يكون بنزين سيارته قد نفذ، ولكن إذا دل المؤشر أن خزان الوقود فارغ فلن تسير السيارة، ولا يمكن لأي رغبة في العالم أن تجعل السيارة تستمر في سيرها.

قد يقر البعض بوجود الحق المطلق، ولكن يعد ذلك يدعون أن هذا الموقف ينطبق فقط في مجال العلوم وليس في أمور العقيدة والدين. هذه فلسفة تعرف بإسم الإيجابية المنطقية، والتي نشرها فلاسفة مثل ديفيد هيوم و أ.ج.آير. يقول هؤلاء أن إدعاءات الحق لا بد أن تكون إما (1) إطناب وتكرار (مثلاً: كل العزاب هم رجال غير متزوجين) أو (2) يمكن التحقق منها تجريبياً ( أي يمكن تجربتها بالعلم). بالنسبة إلى من يؤمن بالإيجابية المنطقية فإن كل الحديث عن الله هو محض هراء.

إن من يؤمنون بفكرة أن العلم فقط يمكن أن يصنع الحق لا يدركون أنه توجد مجالاات عديدة للحق حيث يعجز العلم. مثلاً:

• العلم لا يستطيع إثبات تخصصات الرياضيات والمنطق لأنه يفترضها مسبقاً.

• العلم لا يستطيع إثيات الحقائق الميتافيزيقية مثل وجود عقول بجانب عقلي.

• العلم لا يستطيع تقديم الحق في مجال الأخلاق والمباديء. لا تستطيع إستخدام العلم مثلاً لإثبات شر النازيين.

• العلم لا يستطيع تقرير الحقائق عن الجمال مثل جمال شروق الشمس.

• أخيراً، عندما يقول شخص "العلم هو المصدر الوحيد للحق الموضوعي" فإنه بهذا يقدم إدعاء فلسفي – لا يمكن قياسه بالعلم.

كما يوجد من يقولون أن الحق المطلق لا ينطبق في مجال الأخلاق. لكن إجابة السؤال القائل: "هل من الأخلاق تعذيب وقتل طفل بريء؟" هي مطلقة وكونية: كلا. أو بصورة شخصية أكثر، من يتبنون الحق النسبي بشأن الأخلاق يبدو أنهم دائماً يريدون أن يكون شريك حياتهم أميناً بصورة مطلقة لهم.

سبب أهمية الحق
ما أهمية فهم وقبول مفهوم الحق المطلق في كل جوانب الحياة (بما فيها العقيدة والدين)؟ ببساطة، لأن الحياة تأتي بنتائج للمواقف الخاطئة. إن إعطاء شخص مقدار خاطيء من الدواء قد يقتله؛ إن قيام مدير الإستثمار بإتخاذ قرارات خاطئة يمكن أن تؤدي بعائلة إلى الإفلاس؛ إن ركوب طائرة خطأ سيأخذك إلى مكان قد لا تود الذهاب إليه؛ والتعامل مع شريك حياة غير أمين يمكن أن تكون نتيجته تدمير العائلة بل وربما الإصابة بالأمراض.

وبكلمات المدافع المسيحي رافي زكريا: "الحقيقة هي أن الحق مهم – خاصة عندما تكون في مواجهة الكذب". وهذا الأمر أكثر أهمية في مجال العقيدة والدين. الأبدية فترة طويلة جداً عن أن نكون مخطئين بشأنها.

الله والحق
خلال محاكمات الرب يسوع الستة، كان الفرق بين الحق (البر) والأكاذيب (عدم البر) ولاضحاً لا لبس فيه. فقد وقف يسوع، الحق، ليحاكم من قبل من غرقت أفعالهم في الأكاذيب. لقد كسر القادة اليهود تقريباً كل القوانين الموضوعة لحماية المتهم من الإدانة الخاطئة. لقد سعوا بجد ليجدوا أية شهادة تدين المسيح، وفي إرتباكهم، إتجهوا إلى الشهادة الزور التي قدمها كاذبين. ولكن حتى ذلك لم يساعدهم في تحقيق أهدافهم. فقاموا بكسر قانون آخر وأجبروا الرب يسوع على إتهام نفسه.

عندما جاءوا أمام بيلاطس، كذب القادة اليهود مرة أخرى. لقد أدانوا يسوع بتهمة التجديف، ولكن بما أنهم عرفوا أن ذلك ليس كافياً لإقناع بيلاطس بقتل المسيح، فإنهم زعموا أن المسيح يتحدى قيصر ويكسر القانون الروماني بتشجيع الجماهير على عدم دفع الضريبة. أدرك بيلاطس سريعاً خداعهم المكشوف، ولم يناقش التهمة مطلقاً.

كان يسوع البار تحت محاكمة غير الأبرار. والحقيقة المؤسفة هي أن هؤلاء الآخرين دائماً ما يدينون الأولين. لهذا قتل قايين هابيل. العلاقة بين الحق والبر وبين الكذب وعدم البر تتضح من خلال عدة أمثلة في العهد الجديد:

• "وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" (تسالونيكي الثانية 2: 11-12).

• "لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ" (رومية 1: 18).

• "الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ" (رومية 2: 6-8).

• "(المحبة) لاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ" (كورنثوس الأولى 13: 5-6).

الخلاصة
إن السؤال الذي طرحه بيلاطس البنطي منذ قرون مضت يجب إعادة صياغته لكي يكون دقيقاً بصورة كاملة. إن عبارة الحاكم الروماني: "ما هو الحق؟" تغض النظر عن حقيقة أن أشياء كثيرة قد تحتوي على حق، ولكن شيء واحد يمكن أن يكون هو الحق. والحق يجب أن ينبع من مكان ما.

الحقيقة القاسية هي أن بيلاطس كان ينظر مباشرة إلى مصدر كل حق في صباح ذلك اليوم منذ أكثر من ألفي عام. فقبل أن يتم القبض عليه بوقت قليل وإحضاره أمام الحاكم، قال يسوع عبارته البسيطة: "أنا هو الحق" (يوحنا 14: 6)، وهي عبارة مدهشة. كيف يمكن أن يكون إنسان هو الحق؟ لا يمكن أن يكون كذلك إلا لو كان أكثر من مجرد إنسان، وهذا ما قاله عن نفسه في الواقع. الحقيقة هي أن ما قاله يسوع عن نفسه قد ثبت صدقه عند قيامته من الأموات (رومية 1: 4).

توجد قصة عن رجل عاش في مدينة باريس جاء إليه غريب من الريف. فأراد أن يري الغريب روعة باريس، فأخذه إلى متحف اللوفر ليرى الفن العظيم، ثم أخذه إلى حفل موسيقي في قاعة الفرقة السيمفونية الملكية ليتمتع بعزف الأوركسترا السيمفوني. في نهاية اليوم، قال الغريب القادم من الريف أنه لم يعجب بالفن أو بالموسيقى. فأجاب مضيفه: "ليس أي منهما تحت التجربة، بل أنت الذي تجرب". إعتقد بيلاطس والقادة اليهود أنهم يحكمون على المسيح، بينما في الحقيقة، كانوا هم الذين يحاكمون. وأكثر من ذلك، فإن الشخص الذي أدانوه هو الذي سيدينهم في يوم ما، كما سيدين كل من يقمعون الحق في عدم البر.

من الواضح أن بيلاطس لم يصل إلى معرفة الحق أبداً. يسجل يوسابيوس، المؤرخ وأسقف قيصرية، حقيقة أن بيلاطس إنتحر في النهاية أثناء حكم الإمبراطور كاليجولا – وهي نهاية مؤسفة وتذكار للجميع بأن تجاهل الحق يقود دائماً إلى نتائج غير مرغوبة.

© Copyright Got Questions Ministries